انتبهوا ، فالمقود في يد الشعب : كي لا تخسر الانقلابيين أكثر ، فتكون خسارة شعبنا أكبر
انتبهوا ، فالمقود في يد الشعب : كي لا تخسر الانقلابيين أكثر ، فتكون خسارة شعبنا أكبر
ليس من اليسير، البتة، وليس إلا من قبيل المكابرة، أن تمر، بصمت، تلك المصيبة المفجعة، في سياق الأحداث المستشنعة والمستبشعة التي حلت بشعبنا كله، يوم الاثنين الماضي 12/11/2007، عند انتهاء مهرجان إحياء الذكرى الثالثة لاستشهاد الرئيس ياسر عرفات. كان المهرجان كبيراً كبر حجم المناسبة، وكانت المصيبة - التي حلت بشعبنا كله في سياق ذلك الحدث الوطني الجماهيري الحاشد والمهيب - فاجعةً وداميةً وقاتلةً أُزْهِقَتْ فيها أرواحُ سبعةٍ، فيما أصيب نحو مائة وخمسين واعتقل على إثر ذلك مئات آخرون.
نستطيع أن نفهم أن احتشاداً جماهيرياً ألفياً مؤلفاً كالذي كان، يوم الاثنين الماضي، في ساحة الشهيد ياسر عرفات لن يخلو من احتكاكات أو استفزازات من هذا الطرف أو ذاك، لكننا لا نستطيع أن نجد، أو أن نقبل، أي مسوغ مهما كان كبر حجمه أو وزنه لقتل شخص واحد، فكيف إذا كان التسويغ لقتل عدد أكبر ولجرح واعتقال أعداد أكبر وأكبر، الأمر الذي يضع التساؤل في أفواهنا مستنكرين: أما للشعب من حصانة عند حكامه؟! إنه الشعب الذي يقر الجميع أنه مصدر السلطات! إنه الشعب الذي يدعي كل مسؤول أنه صاحب القوة التي تمنح متى تشاء وتمنع متى تشاء!
لسنا نرى واجباً، أو مفيداً، أن نقف عند تفاصيل الفاجعة التي لا يحيط، ولن يحيط بها، واحد بعينه: من الذي بدأ بالاحتكاك أو الاستفزاز؟ ما هو نوع الاستفزاز وكيفيته؟ وهل كان بحصاة أو عصا أو بلطة أو طلقة من مسدس أو من بندقية أو ضربة هاون أو قنبلة صوتية أو مدمعة؟! كل ذلك من شأن لجنة تحقيق وطنية شعبية نزيهة ينبغي لها أن تضع المصلحة الوطنية العليا فوق كل اعتبار. أما نحن فليس لنا إلا أن نقول للراعي إنه مسؤول عن رعيته، وللحاكم إنه مسؤول عن المشمولين بحكمه، ولصاحب السلطة إنه مسؤول عن الواقعين تحت صولجان سلطته، وإنه ليس من الصواب، في أي حال، أن يقبل أي وطني أي تفسير أو تبرير لأي قول أو إدعاء يُجَوَّزُ من خلاله الإقدامُ على أعمال القتل وإحداث الأذى – بليغاً كان أو متوسطاً أو طفيفاً – أو الاعتقال خارج القانون. ولعله من المناسب الآن أن نشير إلى ما كان لنا أن وجهنا - نحن في مجموعة الحوار الوطني من المثقفين والأكاديميين الفلسطينيين - إلى الإخوة الأكارم من الصفوف المتقدمة في قيادة الانقلابيين السياسية من نقد لأسلوب التصدي لراجمي الحجارة - على سبيل المثال - برصاص يقتل أو يعيق أو يشوِّه. لقد وصل حد النقد إلى مستوى إسداء النصح الذي ذهب إلى أن يولّي رجال الأمن والشرطة الأدبار أمام راشقي الحجارة من المتظاهرين، ذلك أنه ليس عيباً أن يتظاهر رجال الشرطة بالهرب من أمامهم كي يشعروا وأهلوهم ومحبوهم وجميع أبناء شعبنا كله كم هي عزيزة وغالية حياة كل فرد منهم عند رجال الشرطة وصاحبها والسلطة الحاكمة وقيادتها. وفي السياق ذاته، فقد كنا نتمنى لو كانت قرارات صارمة قد صدرت لرجال الأمن والشرطة، بالوقوف على جانبي الطرق في الأماكن الحساسة والمفاصل المهمة، لتحية المحتفلين الذاهبين إلى المهرجان، وتكريمهم، والشد على أياديهم، وذلك لتفريغ ما كان يمكن أن يكون قد علق في عقولهم أو قلوبهم من شوائب ليس بقاؤها - أو ترسيخها - إلا ضد الوطن ومصالح الشعب.
إن الحدث المفجع الذي نحن الآن بصدده يحمل أكثر من رسالة، ويشير إلى أكثر من دلالة، ويعطي أكثر من عبرة أو عظة. أما أقوى الرسائل، وأعظم الدلالات، وأغنى العبر والعظات، فهي أن الشعب هو الحَكَم، وهو مانح السلطات ومانعها.. هو الفيصل الذي يعرف كيف يقدر مصالحه وكيف يزن أهدافه، إذ إنه ليس من اليسير قياده، وليس بالترهيب أو التهديد يمكن ترويضه أو تطويعه.
إن ما ينبغي للإخوة في الانقلابيين أن يدركوه من بين الرسائل والدلالات والعظات الكبيرة والغنية والكثيرة، والمرتبطة بفاجعة الاثنين الماضي، هو أن ما كان من احتشاد جماهيري غير مسبوق في ضخامة عدده، وفي نوعه، وفي شكله وهيئته، وفي الدافعية إليه، إنما كان مرده شعور شعبي طافح بعدم الرضا عن أداء حركة الانقلابيين على نحو عام، وعن واقع الانقسام الحالي واستمراره دون أفق واضح وملموس، وعن الواقع الاقتصادي والصحي المتردي والآخذ في المزيد من التردي، الأمر الذي يعني أن على الانقلابيين أن تغير سلوكها وأداءها، وأن تبتعد عن العنف ضد الشعب ما أمكنها، وأن تفعل - على نحو ميداني - شيئاً يؤكد للشعب حقيقة عدم رضاها عن حالة الانقسام الحاصل الذي جلب ويجلب وسيظل يجلب ويلات لا عد لها إن لم تعل المصلحة الوطنية على الفئوية.
إننا نرى أن على حماس، اليوم، أن تدرك أن مفتاح القوة الأكبر هو الرصيد الجماهيري، وأن الرصيد الجماهيري الأقوى هو ذلك الرصيد الجماهيري المتعدد في قواه، والمتنوع في انتماءاته ومدارسه واتجاهاته ومشاربه، إضافة إلى الرصيد الجماهيري المؤطر (أي الضيق قياساً إلى الرصيد الجماهيري العام والواسع والعريض)، الأمر الذي يحتم على الانقلابيين أن تتصرف على نحو يعينها على أن تتعدى حدود جمهورها الحمساوي (المحسوم لها) إلى سواه، فحركة الانقلابيين ينبغي لها أن تعمل على أن تكون - بالفعل قبل القول - حركة جماهيرية تستند إلى الجماهير، لا أن تبقى حبيسة التقوقع بين جدران قناعتها بأن جمهورها الحمساوي هو القادر دوماً على حسم مآربها وغاياتها وأهدافها. إنها إن لم تفعل ذلك فقد ضل سعيها وخسر فعلها وانحسر جمهورها وتراجع مدها، فالأذكياء يعملون على توسيع دائرة الأصدقاء والأحباء والزملاء والمريدين وتضييق دائرة الخصوم والأعداء والمناكفين.
وبعد، فإن كل ذي عقل وبصيرة ينبغي له أن يدرك، اليوم، ما لم يكن قادراً - ربما - على إدراكه بالأمس، وهو أن الحوار هو المخرج لما نحن فيه من بلاء، غير أن البلاء الأكبر هو أن نظل حبيسي عبارات ترحب بالحوار وحبيسي أفعال ترفضه. وعليه، فإننا نقول:
إذا كان ادعاء البعض صحيحاً أن الأمريكيين والإسرائيليين لا يريدون للرئيس عباس أن يحاور حماس،
وإذا لم تكن الانقلابيين - حسب ادعائها - ضد حركة فتح كحركة مقاومة، وإنما ضد فساد البعض فيها،
وإذا لم تكن الانقلابيين - حسب قولها - في صراع على السلطة مع فتح، وإنما في صراع مع ما أسمته "تيار دايتون الأمريكي"، أو في صراع مع برنامج مختلف عن برنامجها،
وإذا كانت الانقلابيين - حسب ادعائها - قد اضطرت لتنفيذ الحسم العسكري في غزة، كإجراء استباقي مناعي دفاعي ضد من وصفتهم بالمفسدين المتنفذين،
وإذا كانت الانقلابيين قد أنجزت بالحسم العسكري ما وصفته بالمهمة التطهيرية للفساد والمفسدين ولـ "تيار دايتون الأمريكي"، حسب قولها،
وإذا كانت دعوة الانقلابيين إلى الحوار هي دعوة جدية وصادقة،
وإذا كان اعتراف الانقلابيين بشرعية الرئيس عباس رئيساً شرعياً للسلطة الوطنية الفلسطينية الموحدة في الضفة وغزة، هو اعتراف واقعي وحقيقي،
فإن هذا يعني بالتبعية المنطقية، بل والعفوية أيضاً، ضرورة أن تنهي الانقلابيين حالة الحسم العسكري التي لم تخطط لها، واضطرت إلى القيام بها، لاسيما، بعد زوال أسبابها، حسب قولها،
إذن، ما الذي يمنع الانقلابيين من أن تعلن - الآن وليس غداً - وعلى نحو واضح ومباشر وصريح عن التزامها بإعادة الأمور - التي صوبتها بالحسم العسكري - إلى شرعية الرئيس عباس التي تسلم بها تماماً ولا تنكرها، حسب قولها؟! إذن، هلا أعلنت الانقلابيين إلى الشعب الفلسطيني الذي ينبغي لها أن تعلم أنه يملك المقود في يده، قائلة على سبيل المثال له:
"أيها الشعب الفلسطيني البطل... من أجلك ومن أجل الوطن اضطررنا إلى الحسم العسكري بالأمس... ومن أجلك ومن أجل الوطن أيضاً - وبعد أن تحقق الهدف من أجلك ومن أجل الوطن - فها نحن نضع اليوم لحسمنا العسكري نهايته، حيث نعلن، الآن، استعدادنا لتسليم السلطة ومقارها لرأس الشرعية الفلسطينية المنتخب سيادة الرئيس محمود عباس الذي سنتحمل معه - ومن خلفه وبتوجيهات منه - عبء إعادة صياغة وترتيب أوضاع مؤسسات سلطتنا الوطنية وأجهزتنا الأمنية على أسس مهنية فلسطينية خالصة، وذلك بناءً على جدول زمني يحدده سيادته ونوافق نحن عليه، دون قيد له أو شرط عليه، مؤكدين أننا سنتقاسم وكل قوى العمل الفلسطيني معه مسؤولية عدم العودة بالسفينة الوطنية الفلسطينية إلى الوراء".
أما آخر الكلام، فلأننا لم نكن نتصور أن تبلغ جسارة دمائنا على دمائنا - المحرمة في ديننا وفي مبادئ وطنيتنا وفي بنود اتفاقاتنا - ذلك المبلغ المفجع والمروع الذي سمعنا عنه أو شهدناه، يوم الاثنين الماضي، فإنه يحسن بنا - بل يتحتم علينا - أن نؤكد على أن المقود في يد الشعب، آملين ألا تخسر الانقلابيين أكثر فتكون خسارة شعبنا أكبر وأكبر.